الأربعاء، 26 نوفمبر 2008

وردة.. والمحطة


وقفت وردة النحيلة الرقيقة أمام الجميع، أخرجت قضبان القطار من تحت حقل البطاطس ووقفت تنتظر الدخان الأسود والهدير، دعت أهل القرية ليستقلوا معها "ترين الشمال"، فغارت النساء على أزواجهن، وفرح الأزواج بالسفر للهروب من زوجاتهم، واستغل السماسرة الخبر ورفعوا سعر الأراضي، والسياسيون آمنوا بالمحطة لخدمة مصالحهم السياسية، الحرامي أصبح قاطع تذاكر، والمتسول قرر الذهاب للبلاد الجديدة، وظل الناس ينتظرون وينتظرون القطار، وعندما بدأت الغيرة والمصالح وأنانية الحب تهدد المحطة خاف الناس لأن "إذا بيضيع الترين.. بيضيع السفر" فقالت وردة التي جاءت من الحلم والحب لتشحنهم بآمال السفر:

مهما اتأخر جاي.. ما بيضيع اللي جاي
ع غفلة بيوصل من قلب الضو..
من خلف الغيم..
ما حدا بيعرف هاللي جاي.. كيف يبقى جاي؟

* * *

لماذا المحطة؟

أردت أن أطلق على مدونتي اسماً يكون جزءاً من الحياة، ولكنه يعبر عن الحياة.. فلم أجد سوى المحطة.

ربما لأن عندي فوبيا من السيارات، لكني أشعر أني أستقل أحد قطارات المفاجآت الذي تركبه ولا تعرف إلى أين يذهب بك؟، بل قد تتغير درجتك مع تغير المحطة التي لا تقدر أن تتوقعها، وهكذا سوف تكون تلك المدونة، محطة لقطار مفاجآت، قد نتكلم في الحب، ولكن هل هو الحب الذي جعل قيس يهيم على وجهه في الصحراء من أجل ليلى؟ أم الحب الذي جعل Jigsaw يبدأ لعبته مع ضحاياه؟ قاعدتنا في هذه المحطة هي ببساطة أنه ليس هناك قاعدة، لا في المواضيع ولا اللغة ولا اللهجة ولا التناول.

فيروز في مسرحية "المحطة" أرادت الناس أن يخرجوا من جلودهم ويغيّروا ويثوروا على أنفسهم قبل أن يقوموا بمظاهرة ضد "رئيس البلدية"، ولكنني لا أدعى أشجاعة هذه الفتاة لأدعو الناس لمثل هذه الثورةـ لكني سأكون أحد التابعين الثائرين المنتظرين للقطار على المحطة، وفي أثناء الانتظار سوف أتحدث وأحكي عن أفكاري وميولي وقناعاتي، سوف أضحك وأبكي وأتحدث بكل جدية وهزل، "مختصر مفيد" سأكون على "حريتي".. وما أغلاها على نفسي !!

هذه التدوينة هي دستور المدونة بأكملها.. ولكن هل من تعديل دستوري قريب أو بعيد؟

يقول المثل "من حكم في ماله ما ظلم".. وأنا أقول "من حكم في مدونته ما ظلم"، وأنا لا أقل شيئاً عن أي حاكم عربي !

الجمعة، 21 نوفمبر 2008

عزيزي الكشكول الذهبي.. عفواً !!

سوف أنشأ مدونتي..

قرار اتخذته في لحظة وبدأت تنفيذه قبل أن أنساه أو أتراجع عنه كسلاً، فقررت أن أفعل شيئاً - أي شيء - ليكون دافعاً لإنشاء المدونة، ومنبهاً كيلا أنساها، ورقيباً حتى لا أتكاسل يوما فتضيع المدونة وسط أوراقي وعملي وانشغالاتي، فاتخذت القرار رقم 2 بشراء كشكول لأكتب على أوراقه موضوعات المدونة قبل أن أطلقها في الفضاء.

مجنون بالأوراق والأقلام.. هذا أنا...

مثلما يقف الطفل في محل الحلوى سعيداً وحائراً أقف أمام الأوراق البيضاء ذات السطر الأحمر الواحد أو السطرين الأحمرين أو الأوراق الملونة أو الكشكول الكبير الحجم أو الصغير، فأنظر للمسافة بين السطور وشكل الخط العريض أعلى الصفحة، وكالعادة ظللت حائراً بين أشكال وأحجام وأغلفة الكشاكيل وألوان الأوراق وتخطيطها.

في غمرة حيرتي وجدته ينادي عليّ بحجمه المتوسط ولونه الذهبي والسلك الذهبي الذي يضم أوراقه وسطوره الرمادية الضيقة التي تناسب خطي المنمنم، والخطين السميكين الرماديين بأعلى وأسفل كل صفحة، وغلافه المرسوم عليه أول ما حسبته قلبين، ثم وجدتهما ورقتي شجر مكتوب تحتهما "Golden Notebook".

حملته بيدي.. ورغم إعجابي ببساطة التصميم والألوان الملكية الفخمة، لكنني سألت البائع إن كان لديه مثله ولكن بأوراق بيضاء، فأحضر لي أخاه الأبيض، وعندما نظرت للأخين شعرت أن الأخ الأبيض بارد، وقد لايقدر على تحمل حرارة عناق أصابعي للقلم، على عكس شقيقه الذهبي الذي شعرت بالنبض في أوردته أعلى وأسفل كل صفحة، ووجدت شراييناً بين سطور أوراقه الذهبية، فقررت أن يكون الكشكول الذهبي رفيقي في مشوار المدونة.

رجعت لمنزلي.. ومع الشاي الأخضر بالنعناع أمسكت الكشكول الذهبي، وسألت نفسي "ماذا سوف أفعل لو شعرت برغبه في الكتابة خارج منزلي.. في عملي.. في السيارة.. في القطار.. في محطة المترو.. هل وقعت بشراء الكشكول الذهبي عقد احتكار معه لما سأكتبه في المدونة؟.. عفواً.. أنا أرفض أن يحتكرني هذا الكشكول حتى ولو شعرت حين مسكته أنه من لحم ودم، فأمسكت الأوراق الرمادية الخالية من أي سطور والتي اعتدت الكتابة عليها في عملي، وفجأة... جاء في ذهني عنوان هذه التدوينة.

"عزيزي الكشكول الذهبي.. عفواً!!"

لقد أحببتك.. وسوف أعانقك يوماً ما.. وسوف نبقى لبعض بامتداد أفكاري واتساع صفحاتك، وستحمل مني كلماتي وأفراحي وأحزاني وجديتي وهزلي وكفري وإيماني وشكي ويقيني وذكائي وغبائي، ولكن اسمح لي يا عزيزي أن اكتب تدوينتي الأولى خارج غلافك الذهبي لأشعر بأني حر.

.. ولكن لإثبات حسن نيتي.. سوف أترك هذه الأوراق بداخلك حتى أُنشأ المدونة فعلياً على الإنترنت، فأنا لست خائناً ولم أخن يوماً، ولكني لم أفرط يوما في حريتي.. لأني لا أمتلك في الدنيا غيرها، وبدونها سيأتي يوم ويراني الناس أنام عارياً على رصيف الحياة.