الخميس، 8 يناير 2009

حوار مع صديقي "الأستريت"

كان وسيما.. حاجباه ثقيلان يكادا أن يتصلا ببعض.. والذكاء واللهفة يتقدان من عينيه، وكتابان بالإنجليزية يحملهما في يده عرفت منهما أنه يدرس اللغة، كان يجلس بجواري يحاول النظر لي محرجاً ويرغب في الحديث ولا يعرف كيف يبدأ، فأحببت خجله، وعندما جاءت محطة المترو نزلنا معا واقتربت منه فوجدته يبتسم بخجل، فقلت له "أهلا بك" وبارتباك واضح في الحروف الأربعة قال "أهلا".

كان تعارفاً بسيطا، فطلبت منه أن نجلس في مكان لنتعارف أكثر فوافق لنجلس في أحد المقاهي المفتوحة، وأخذ يحدثني أنه ليس من القاهرة وقد جاء لزيارة صديق مريض بالقصر العيني، ثم قام بشراء كتابين يحتاجهما في دراسته بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب، وفجأة وجدته يسألني باندفاع: هل أنت Gay ؟

صدمت من أسلوب وشكل السؤال، فرددت بالإيجاب لتظهر على ثغره ابتسامة انتصار وقال "لقد خمنت ذلك"، لم أفهم ما يقصده، فسألته "وماذا عنك؟"، فظهر الانزعاج والغضب عليه، وقال وكأنه يشعر بلذة في كل حرف ينطقه: أنا رجل جداً و"جدع قوي" ولا يمكن أن أكون مثلك ولا أكره في حياتي إلا أمثالك، لقد شعرت أنك "منهم" عندما نظرت لي أول مرة، فقررت أن أجاريك لأعرف ما هو هدفك مني؟

كان قد تخلى عن ارتباكه الذي انتقل إليّ من المفاجأة، وشعرت أن هنالك شيء خطأ يحدث، فقلت له محافظاً على هدوء ظاهري "لماذا وافقت على التحدث معي؟ ولماذا جئت معي حتى هنا؟ وتوافق على شرب القهوة معي؟"

فقال بلهجة الذكي الذي أوقع الساذج في الفخ "لأعرفك.. وأتأكد أنك شاذ".
كاد صبري ينفذ، وأردت إنهاء هذا الهراء فقلت له "عموماً أنا إنسان خلقه الله كما خلقك، فإذا أردت أن تكون صديقاً لي فأنا لا أشترط في أصدقائي أن يكونوا Gays".

فقال باستياء: أنا أكون صديقاً لشخص مثلك؟!

فرددت بحسن نية: وما العيب؟
فقال بنفاذ صبر: أنت تنام مع الرجال.. من هم مثلك يجب قتلهم!

فقلت له: إن كنت أنام مع الرجال فهذا أفعله في سريري في غرفتي المغلقة بالباب وليس في ميدان عام، فلو كانت شريكتي في السرير امرأة أعاشرها في الحرام كيف كنت ستعاملني؟ سوف تقول أنني عاصٍ ومذنب لو كنت تقياً، وستقول عني "أسد الغابة" لو كان لك مطمع في المومس، ولكن لأنك تختلف معي في "التوجهات الجنسية" وترفض أفكاري وميولي تريد إعدامي في ميدان عام، عفواً.. إن الاغتيال أقسى أنواع التعبير عن الاختلاف في الرأي!!


أخذته الدهشة من أسلوبي، فأراد أن يأخذ موقع الهجوم ويتركني في الدفاع فقال: وهل مَنْ يوافق على القيام بدور المرأة على السرير يعد رجلاً؟ فيتعرى أمام رجل ويقبّل رجلاً ويوافق أن يفعل به رجل ما يفعل في المرأة.. أين الرجولة؟ أنت تتحجج بأنك تفعل ما تفعله في السر، ولكنك تخجل بل لا تجرؤ أن تصرح بذلك، هل سوف تقدر أن تذهب لعملك أو تضع عينك في عين جارك حين يعرف أنك تعاشر الرجال؟


مع كل هذا الهجوم تسللت ابتسامة هادئة إلى ملامحي لاإرادياً جعلته يندهش أكثر، وقلت: أنا شخصياً أرى أن الرجل هو الذي يتحمل المسئولية فيؤديها في عمله وحياته، الرجل عندي ليس من يضاجع المرآة فيحسن الأداء، الرجل هو الذي يستطيع أن يفعل شيئاً لنفسه ولحياته وحياة من حوله، ولو أخذنا بمفهومك عن الرجولة فأنت لا تعرف ما يفعله جارك مع زوجته في لحظاتهما الحميمة، فقد تكون تضربه أو تقيده في السرير لينام معها، فهل تراه رجلا رغم أن شريكته في السرير امرأة كاملة الأنوثة؟ إن الجنس ليس مقياساً للرجولة أو الأنوثة، فهي خِلقة خُلقناها وهرمونات تفجرت وبعضنا يحمل ميوله بداخله قبل أن يصل للبلوغ بل قبل أن يعرف وظيفة جهازه التناسلي أو يعرف شكل الجهاز التناسلي للنوع الآخر من البشر!!

وإن كان يجب أن أخجل من جيراني لأني Gay، فلماذا لم تخجل جارتي مني عندما قابلتها بعد أن أوسعت ابنها الأبكم المشلول ضرباً بالأيدي والأقدام وسبته بأقذع الشتائم لأنه تبول وتبرّز على نفسه حين كان وحده بالمنزل ولم يكن في وسع هذا المسكين إلا أن يصدر محاولات لقول كلمة "آه" لم ينجح فيها رغم التعذيب الذي يتعرض له!


كيف يضع جاري عينه في عيني بعد أن سمعتْ كل البناية التي نسكن فيها صوته وهو يضرب زوجته وابنتيه لا لشيء سوى أن إحداهن تحب زميلها في الكلية حباً "طبيعيا" بريئاً، فحين قالت له الأم هذه "الكارثة" أصبحت مشاركة في الجرم، والبنت الآخرى لابد أنها تعرف وتصمت عن أختها إن لم تكن هي الأخرى لديها من تحبه، فنزل فيهن ضرباً وركلاً وشتماً!

لماذا لا يضع جاري الشاب عينه في الأرض بعد أن سمعه الشارع كله وقد وقف مع أبيه الذي أراد الزواج من أخرى فأحالا حياة الأم إلى جحيم وأخذ يسب ويضرب أمه، وفي المساء كان يعاكس الفتيات مع أصدقاءه ويصرف معهم الجنيهات الخمسين التي حصل عليهم من أبيه مكافأة على عمله البطولي!

عفواً.. هذا واقعنا والدنيا "فيها وما فيها وعلى عينك يا تاجر"، والناس تمشي في الشوارع بلا خجل وهم أحق مني بالتواري خجلاً، أنا لا أفعل شيئاً يؤذيهم، بل اعتبرت نفسي من الأقليات التي لا تريد من الدنيا إلا أن تتركها في حالها، أجبني.. من الأحق بأن يخجل من الآخر؟

فقال وكأنه يوجه لي الضربة القاضية: وماذا عن الله؟ ألا تخجل منه؟


فقلت له: أدعِ الله أن يسامحني كما أدعوه في صلاتي.. فهو الأعلم بما في نفسي من نفسي.


فقال وقد أدرك أنه ربما أمسك بنقطة ضعف في كلامي: ولماذا أدعو لك؟ لقد توعد الله لك، إن الزاني يجلد أما أنت فعقابك من عقاب قوم لوط.

فقلت له: إن الله يعرف أني لم أغوِ أحداً لينام معي، ولم أجبر أحداً على الجنس يوماً، ولم أسرق ولم أتلاعب بأحد، فكنت أخاف على من معي كما أخاف على نفسي، بل كنت أخاف الله مثل اللص حين يسرق ويقول "يا رب أسترني"، ودعني أصارحك أن هنالك شخص يعيش بداخلي يفرح قليلاً حين لا أوفَّق في التعارف على شخص، أو حين أتعرف على شخص ونقرر أننا سنكون أصدقاء فقط لا غير، فلماذا لا يسامحني الله ورحمته وسعت كل شيء؟ أنا لست شيطاناً، بل هناك من أغوى أشخاصاً "مثلك" لينام معهم، وهناك من سرق بعد أن مارس الجنس وهناك من قتل، وهناك وهناك.. إن الله عند ظني به، وأنا أظنه رحماناً رحيماً عفواً غفوراً.

قال: أتحلل فعلك لنفسك؟

قلت: أنا لا أحلل بل حرمت ما أفعله، ولكن اللص إذا سرق طعاما وهو جائع هل ستقطع يده؟ لو فعلتها فالقني من فوق هضبة المقطم، هذه نفسيتي وهذه مشاعري!

ثم نظرت إلى الكتابين الذين على الطاولة وتناولت أحدهما وقرأت عنوانه بصوت عالٍ: The Picture of Dorian Gray.. وسألته: هل تقرأ لـ Oscar Wilde؟ فرد بالإيجاب، فقلت له: ربما تعلم أن Oscar Wilde كان Gay وهو في هذه القصة كان يتحدث عن شخصية الـ Gay ولكن بصورة غير مباشرة ولكنه استطاع ببراعة أن يرصد نفسية ومشاعر وأفكار الـ Gay، فلماذا تقرأ له وأنت تعرف أنه شاذ كما تقول؟ إنه كاتب عبقري عظيم ولكنك لم ترفضه، هذا هو من أقول عنه رجل، ولعلمك هناك علاقة ما بين الشخص المتفوق والفنان وبين ميوله الجنسية، فالكثير من الفنانين لديهم نفس ميولي، وأضفت ساخراً: بالمناسبة أنت تدرس في Faculty of Arts، ولو ترجمناها حرفيا لكنت في كلية الفنون!

ثم عدت أسأله: هل صديقك الذي كنت تزوره بخير؟ فردبحذر: ولماذا تسأل؟ فقلت له باسماً لأنني أعرف ثلاثة أطباء في القصر العيني Gays ربما يكون أحدهم يعالجه فعلا، بل أني لدي ثلاثة أصدقاء آخرين في كلية الطب ربما يتدربون على حالته، لا قدر الله لو أصيب صديقك بمكروه.. هل سترفض أن يعالجه طبيب Gay؟ هل سترفض أن يترافع عنك محامٍ Gay؟ هل سترفض أن تتعامل مع بائع أو تاجر أو موظف Gay؟


يا صديقي "الأستريت" أنا لم أطلب منك سوى أن تتعامل معي كما أعاملك، لقد عاملتك باحترام وعرضت عليك صداقتي دون أن أطلب منك مقابلاً جنسياً أو مادياً ودون أن يكون بيننا مصلحة فرفضتني لأني في آخر الليل قد – أقول قد – أحتضن رجلاً مشعراً على سريري، ولكن مشكلتك أن أحداً لم يرك وأنت تتمنى من داخلك أن تكون هذا الرجل، بل لا تريد أن تعترف لنفسك بذلك !!